غزة وسديروت: دعونا نتحاور الآن
مساء السبت، الموافق 29 ديسمبر 2012، الساعة 06:00
في قاعة الطعام في كيبوتس زيكيم

أسعد الله مساءكم !
إنه لمن دواعي سروري أن أكون معكم اليوم عن طريق خطابي هذا للمشاركة في هذا الحدث الهام الذي نرحب فيه بالعام الجديد 2013. كنت أتمنى حقاً أن أكون بينكم شخصياً اليوم لو كان ذلك باستطاعتي.

اسمحوا لي أن أشارككم قصتي خلال جولة العنف الأخيرة.

لقد عشت حياتي كلها في غزة، وطوال حياتي شهدت هجمات وتدمير منازل، وناس يُقتلون وانتهاكات لحقوق الإنسان.

الهجوم العسكري الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة الشهر الماضي، والتي أطلق عليه اسم عملية "عمود السحاب أو عمود الدفاع "من قِبَل المسؤولين الإسرائيليين، كان قريباً جداَ من منزلي. هذه العملية قضت على حياة أكثر من 170 فلسطينياً خلال ثمانية أيام، معظمهم من المدنيين، من بينهم أكثر من 40 طفلاً.

كانت الهجمات الإسرائيلية على غزة تتصاعد بشكل مستمر. فالقوات البحرية العسكرية الإسرائيلية كانت تقصف من البحر، وطائرات الأف 16 الحربية ومروحيات الأباتشي والطائرات بدون طيار من السماء، والدبابات العسكرية من الأرض ... لم يكن هناك مكان آمن للاختباء؟!
منذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تقصف وتدمر عدة مواقع بالقرب من منزلنا. ومع كل انفجار، كان منزلنا يهتز كالزلزال ونوافذنا تتحطم وتتبعثر في كل مكان، ناهيك عن الخوف والرعب الذي كنا نشعر به. لقد أُصبت في رأسي عندما تحطمت إحدى النوافذ، ولكن إصابتي طفيفة مقارنة بما مر به المواطنين المدنيين الآخرين في غزة.

لم يكن هناك أي مكان آمن في غزة، ولم يعد هناك أي مكان للاختباء من التفجيرات لأن الطائرات الحربية الإسرائيلية كانت تستهدف كل المناطق دون استثناء. كل يوم مر بنا في غزة كان مفجعاً وأكثرإيلاماً من اليوم الذي سبقه. جميعنا كان في حالة رعب وصدمة من القصف المستمر الذي لم يتوقف بتاتاً. ما حدث في غزة كان كارثياً بكل معنى الكلمة، وكان من الصعب علينا استيعاب ما يجري أو التنبؤ بما سيحدث في الأيام المقبلة.

ما شهدته وعايشته خلال الهجوم العسكري الأخير على غزة "لا يمكن وصفه" !

خلال الهجوم الأخير على غزة والذي دام ثمانية أيام متواصلة، كنت أخرج مع صحفيين أجانب للترجمة لهم. ذهبنا إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وفي طريقنا، شهدنا آثار الخراب والدمار والعديد من المباني المهدمة في كل مكان. ومعظم المباني كانت متضررة كلياً ولا يمكن إصلاحها. كما شهدنا أيضاً الدم في الشوارع، وناس يتزاحمون ويركضون، وسيارات الإسعاف والصحافة في كل مكان، فوضى عارمة. لقد كنت في حالة صدمة شديدة.

كما رأيت أيضاً قوات الدفاع المدني الفلسطيني بجرافاتهم يحاولون سحب الجثث من تحت الأنقاض، معظمها جثث لأطفال.

ذهبت أيضاً إلى مشرحة المستشفى، وشهدت جثث محترقة وأشلاء أطفال ونساء وكبار السن. كان معظم الضحايا من المدنيين. لن أتمكن من نسيان هذا المشهد.

في المستشفى أيضاً، شهدت العديد من النساء والأطفال محمولين على نقالات متجهين إلى غرفة الطوارئ. وكان العديد من الجرحى محترقين وأطرافهم مفقودة وستبقى حالتهم النفسية محطمة إلى الأبد، والكثير من القتلى كانوا عبارة عن أشلاء. كما شاهدت أيضا نساء ورجال، وآباء، ينوحون ويصفعون وجوههم من الحزن، وبعضهم انهار عندما علموا أن أطفالهم موتى. معظم القتلى كانوا من الأطفال، ولم يكن هناك متسع للجرحى. مشاهد مرعبة ومفجعة!

أشكر الله، لا أحد من عائلتي أو أقاربي أصابه أي مكروه، ولكن أبناء وبنات إخوتي الصغار لازلوا يعانون من صدمة كبرى. كانوا يصرخون كثيراً خلال الهجوم، وكان من الصعب علينا تهدئتهم.

لقد مرت أسابيع عديدة على توقف الهجوم على غزة. ولكن أبناء وبنات إخوتي الصغار لا زلوا خائفين ولا يستطيعون البقاء بمفردهم أثناء الليل. كانت هناك عاصفة رعدية مؤخراً، واختبأوا ظناً منهم أنها قصف آخر. أبناء وبنات إخوتي يعانون الآن من اضطراب ما بعد الصدمة. بعضهم أصبح معزولاً. وبعضهم أصبح عنيفاً. لقد أصيب الأطفال باضطرابات نفسية ستحطمهم مدى الحياة.

ما حدث في غزة في منطقة حضرية ذات كثافة سكانية عالية كان "كارثة إنسانية مخططة"، وجريمة حقيقية ضد الإنسانية. وعلى الرغم من هذا الوضع الصعب للغاية، لا نزال متماسكين، في انتظار أن ينتهى الحصار على غزة ونأمل معه أيضاً أن ينتهى 45 عاماً من الاحتلال مرة واحدة وإلى الأبد.

انتهت الجولة الأخيرة من العنف بالتوصل إلى هدنة بوساطة مصرية، وقعتها إسرائيل والفصائل العسكرية في غزة. جاءت الولايات المتحدة تركض لتكون جزءاً من اتفاق وقف إطلاق النار ولكنها لم تركض لإنهاء الاحتلال. كما أنها لا تتردد في تزويد إسرائيل بكافة أنواع الأسلحة.
أنا لست متفائلة بالنسبة لاتفاق وقف إطلاق النار، لأنه يبدو هشاً ولا أعتقد أنه سيستمر لفترة طويلة. ينبغي علينا أن نضع في اعتبارنا أن وقف إطلاق النار ليس عملية سلام.

لقد هددت اسرائيل باستئناف الهجمات على غزة في حال فشل الهدنة. ومنذ إعلان وقف إطلاق النار في 21 نوفمبر 2012، قامت إسرائيل بانتهاك المجال الجوي الفلسطيني والمياه الإقليمية الفلسطينية، ومضايقة واعتقال، وإطلاق النار وقتل الفلسطينيين في غزة. إسرائيل عادة ما تقوم بانتهاك اتفاقيات وقف إطلال النار بشكل ممنهج ودائم، ولا تزال تهدد الفلسطينيين، والأجانب والصحفيين.

صرحت كتائب سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في غزة أنها لن تقبل المزيد من الانتهاكات للهدنة. وحذرت في بيان لها أن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة والصارخة للهدنة ستقوض الصفقة وستجبر الفصائل الفلسطينية على الرد بطريقة مناسبة.

يجب على جنون كلا الطرفين أن يتوقف. في الواقع نحن، كمجتمع، بتنا نخشى الفترة ما بين عيد الميلاد والعام الجديد لأن إسرائيل عادةً تستخدم هذه الفترة للتحريض على مزيد من العنف، في الوقت الذي يحتفل به العالم بموسم الأعياد.

في رأيي، ليس هناك حل عسكري لهذا الصراع، سواء على الجانب الفلسطيني، أو الجانب الإسرائيلي. المسألة ليست مسألة من الذي يتفوق عسكرياً. أنا أرفض أن يتبنى جيلاً آخر من الفلسطينيين والإسرائيليين فكرة أن الفوز يتم باستخدام القوة. لقد أثبتت إسرائيل عدم قدرتهاعلى الفوز، وأثبت الفلسطينيين عدم قدرتهم على الخسارة، فإلى أين نصل من هنا؟ من قتل 1400 من سكان غزة في عام 2008 إلى أكثر من 170 في عام 2012، إلى قتل كم ضحية العام المقبل أو العام الذي يليه .. متى سيتوقف كل هذا؟ هذا جنون!

يجب علينا بكل بوعي أن نختار نقطة مرجعية. بالنسبة لي، تلك النقطة هي القانون الدولي. أنا لا أقبل قانون الغاب لأنه لا ينتهي أبداً، وفي هذه اللعبة، لا يوجد قوانين.

يجب على الفلسطينيين والإسرائيليين أن يطالبوا بمنع هذا الجنون، هجمات الجيش الإسرائيلي المستمرة والصواريخ الفلسطينية.

نحن لسنا فلسطينيين أو إسرائيليين اليوم، نحن بشر ويجب علينا أن نتصرف على هذا النحو، ونطالب بمنع جولات العنف المقبلة.

السكان الفلسطينيين في غزة يرغبون بممارسة حقهم في التمتع بحياة طبيعية كباقي البشر، وأنا على يقين أن الحال نفسه ينطبق على السكان الإسرائيليين على الجانب الآخر من الحدود.

رسالتي اليوم واضحة. يجب على القادة الفلسطينيين والإسرائيليين العودة إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق حول إيجاد طريقة لتسوية خلافاتهما وإيجاد حلول للصراع. وأعتقد أنه من المهم لطرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إعادة فتح الحوار بينهما دون تأخير. الإسرائيليين والفلسطينيين يستحقون فرصة للعيش بسلام. يجب أن يبدأ قادة الجانبين التحاور مرة أخرى. أنا أؤكد على أن السلام الدائم سيتحقق من خلال الحوار، على أساس مبدأ حل الدولتين.

الأطفال والسكان الفلسطينيين والإسرائيليين على كلا جانبي الحدود يستحقون السلام وحياة طبيعية.

ندعو القيادات الإسرائيلية والفلسطينية إلى إظهار الشجاعة والتصميم على السعي للتوصل إلى اتفاق على حل الدولتين الذي بامكانه أن يمنح الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين مستقبلاً مشرقاً.

نحن، المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين على كلا جانبي الحدود الضحايا الحقيقيين. نحن نستحق أن نعيش حياة طبيعية. يجب أن نصرخ بصوتٍ عالٍ وندعو قادتنا إلى وضع حد للعنف مرة واحدة وإلى الأبد، والعثور على طرق للتحاور، وإنهاء الهجمات والحصار على غزة، والتوقف عن اللعب بحياتنا.

دعونا نأمل أن يستمع قادتنا إلى ندائنا ... ودعونا نصلي من أجل أن يسود التعقل والسلام والعدالة العلاقات بين إسرائيل وحماس وأن يعيش أطفال كلا الجانبين حياة طبيعة دون صدمات نفسية.

لن يتوقف العنف حتى نتحاور!

هذه هي رسالتي اليوم.

شكراً جزيلاً لجميع الاسرائيليين والفلسطينيين الذين يدافعون عن المدنيين الأبرياء من كلا الجانبين.

دعونا نرحب بالعام الجديد 2013 بكل حب من أجل السلام والعدالة للفلسطينيين والإسرائيليين على كلا جانبي الحدود.

كل عام وأنتم بخير .. أتمنى لكم جميعاً عاماً جديداً سعيداً !

شكراً جزيلاً لكم !